العامل البشري وأثره على تحسين جودة الخدمات
العامل البشري وأثره على تحسين جودة الخدمات
ربى يونس
ضمن إطار حرص الشركات والمؤسسات الخدمية على رفع مستوى الأداء، وتحسين جودة الخدمات، والذي سيقود بالضرورة الى انخفاضٍ في عدد الشكاوى وزيادةٍ في عدد المتعاملين الراضين عن الخدمة، فإنه لابد لهذه الشركات الاهتمام ببعض التفاصيل المتعلقة بالعامل البشري، وبالأخص الاهتمام بالموظفين الذين يقدمون خدمةً مباشرة أو يتعاملون بشكلٍ مباشر مع المتعاملين، وهم من يطلق عليهم مصطلح (موظفو الصف الامامي).
ومن الملاحظ أن بعض الشركات تولي اهتماماً كبيراً للتطوير التكنولوجي والعلمي، وتجهيز البنية التحتية، وتخصص موازنة كبيرة للتسويق والمؤتمرات، في حين قد تغفل دون قصد عن إعطاء نفس الأهمية والاستثمار في موظفي الصف الامامي والذين يعتبرون واجهة الشركة وانعكاساً لصورتها في نظر المتعامل. فأداء الموظف مع المتعامل وقدرته على استيعاب احتياجاته وتمكنه من تلبيتها بسلاسةٍ واحترافية يترجم بشكل عملي رؤية ورسالة وقيم الشركة أو المؤسسة، ويساهم بشكل فعال في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركة أو المؤسسة بالتوازي مع تحقيق رضا المتعاملين ورفع مستوى ثقتهم بالخدمات المقدمة إليهم، بما يضمن عودتهم لشراء تلك الخدمات مرات عديدة، أو التوصية بها لمعارفهم وأصدقائهم.
سأتناول من خلال هذه المقالة موضوعين أساسيين لتحقيق التوازن المطلوب بين أداء موظف الصف الأمامي الفعال في تحقيق تجربة متعامل إيجابية ومرضية من ناحية، ودور إدارة الشركة أو المؤسسة في تعزيز هذا الأداء والمحافظة عليه من ناحية أخرى:
أولا: كيف يكون أداء موظف الصف الامامي فاعلاً ومرضياً للمتعامل؟
لا شك ان تقييم أداء الموظف يخضع بشكل كبير لوجهة نظر المتعامل ومدى رضاه عن الخدمة وكيفية تقديمها، وكما نعرف فإن الخدمة هي شيء غير ملموس وتقييم جودتها هو شيء نسبي قد يختلف من متعامل الى اخر، ومن الصعب وضع أداة دقيقة لقياس جودة تقديم الخدمة، إلا ان هناك بعض المعايير التي قد تساعد وتسهل عملية القياس والتي يمكن اعتبارها مرجعاً يستند إليه الموظف في تحديد أدائه وتستند عليه إدارة الشركة في قياس هذا الأداء، ومعرفة نقاط القوة والضعف والتي تساهم في وضع خطط التطوير والتحسين. وسأذكر هنا على -سبيل المثال لا الحصر- بعضاً من هذه المعايير:
- الترحيب بالمتعامل: يساهم ترحيب الموظف بالمتعامل في خلق جو من الألفة والارتياح بين الطرفين، مما يسهل على المتعامل شرح احتياجاته أو طرح مشكلته. ويبدأ الترحيب من خلال ملاحظة الموظف للمتعامل فور قدومه، وطرح العبارات الترحيبية بالإضافة للابتسامة والتواصل بالنظر، مع المحافظة على نبرة صوت هادئة ومسموعة.
- الاستماع لاحتياجات المتعامل وفهمها جيداً: لكي يتمكن الموظف من خدمة المتعامل بالشكل الأمثل، لابد له ان يفهم احتياجاته جيداً، لذلك فعليه الاستماع للمتعامل بشكل جيد ودون مقاطعة، وإعطائه الاهتمام المطلوب بعيداً عن الانشغال بشيء يمكن أن يشتت الانتباه (كالهاتف مثلا). كما يجب على الموظف توجيه الأسئلة المناسبة وذلك لتعزيز فهم احتياجات المتعامل.
- تطبيق إجراءات الخدمة بكفاءة وفعالية: وهو أن يقوم الموظف بتقديم الخدمة بشكل كامل وضمن الوقت المحدد للخدمة، وهذا يتطلب من الموظف أن يكون على دراية كاملة بإجراءات الخدمة وعلى معرفة واطلاع على أي تحديثات او مستجدات متعلقة بها.
- المرونة: أن يكون الموظف قادراً على التعامل مع المشكلات التي قد تواجه المتعامل خلال عملية تقديم الخدمة، وتقديم الحلول التي تساهم في تحسين تجربة المتعامل وتسهيلها.
ويمكن للشركات والمؤسسات تطوير هذه المعايير بما يتناسب مع طبيعة عملها وموظفيها، بحيث تكون قادرة على فهم وقياس جودة أداء موظفيها، مما يتيح ويسهل عملية التطوير والتحسين المستمر.
ثانيا: ما هو دور إدارة الشركة في إشراك وتمكين وتعزيز أداء الموظفين؟
تشير الدراسات الى أن تمكين موظفي الصف الامامي يساهم في تعزيز أداء الشركة بشكل عام مما يؤدي الى زيادة الأرباح، كما أنه يخلق بيئة عمل إيجابية ويخفف الضغط على الموظفين، مما سيؤدي الى زيادة رضاهم وسعادتهم، والذي سيقود حتما الى زيادة رضا المتعاملين وسعادتهم.
ولتحقيق ذلك، على إدارة الشركات توفير الأمور التالية للموظفين:
- إبقاء الموظفين على تواصل واطلاع على المعلومات والإجراءات المتعلقة بالخدمة: ان الموظفين بحاجة دائمة لمراجعة معلومات وإجراءات الخدمات، والاطلاع على أية مستجدات وتحديثات بهذا الخصوص. ولابد للشركات توفير كافة المصادر المعلوماتية للموظفين. وتقوم الشركات حاليا بتوظيف التكنولوجيا لهذا الغرض، وذلك من خلال انشاء منصات رقمية داخلية تتيح للموظفين الدخول اليها من خلال أجهزة الكمبيوتر أو تطبيقات الهاتف والاطلاع على كافة المعلومات المطلوبة والتي يحتاجونها لإتمام مهامهم اليومية.
- تزويد الموظفين بكافة الأجهزة والأدوات والتقنيات المطلوبة لإنجاز مهامهم: على الشركات ان توفر لموظفيها كل ما يحتاجونه ليتمكنوا من إنجاز مهامهم وتقديم الخدمة بشكل كامل وفعال وبدون تأخير، وينطبق ذلك على الموظفين الميدانيين أيضا.
- تحفيز الموظفين وتقديرهم: وذلك من خلال برامج المكافآت والحوافز التقديرية، والتي أثبتت ان لها أثراً فعالاً في تشجيع الموظفين على تطوير مستوى أدائهم وتحسينه بشكل مستمر.
- توفير فرص التطور والتدرج الوظيفي: وذلك من خلال توفير تسلسل وظيفي واضح، وفرص تدريبية تتيح للموظف التقدم في عمله والتدرج في السلم الوظيفي للشركة.
- الاستماع لاقتراحات الموظفين وتجميع أفكارهم وحل مشاكلهم: ان موظفي الصف الامامي وبحكم عملهم وتواصلهم المباشر مع المتعاملين، قادرين على فهم احتياجاتهم وتقديم العديد من الأفكار والاقتراحات التطويرية التي من شأنها رفع مستوى الأداء وتحسين عملية تقديم الخدمة، لذلك لابد للشركات التي تطمح الى زيادة رضا متعامليها من إشراك الموظفين في عملية التحسين من خلال تشجيعهم على طرح الأفكار والاقتراحات وإنشاء نظام خاص للحوافز بهذا الخصوص، كما يجب أيضا الانتباه الى مشاكلهم وحلها بشكل فعال يضمن إيجابية بيئة العمل والصحة النفسية للموظفين.
- مراعاة التوازن في ضغط العمل على الموظفين: من المعروف أن موظف الصف الامامي قد يحتاج الى القيام بعدة أعمال في وقت واحد: كالتعامل مع أحد المتعاملين وجهاً لوجه، والرد على الهاتف، واستخدام الكمبيوتر أو الرد على الرسائل الإلكترونية. ويجب على الشركات مراعاة هذا الضغط في العمل من خلال توفير عددٍ كافٍ من الموظفين وتوزيع المهام بشكلٍ متوازنٍ وعادل بينهم.
وأخيراً، فإن رأس المال البشري هو عامل أساسي ورئيسي في نجاح الشركات والمؤسسات الخدمية، وإذا أرادت هذه الشركات زيادة سعادة ورضا متعامليها، فلابد لها من العمل على زيادة سعادة ورضا موظفيها أولاً، والاستثمار بهم وتدريبهم بالشكل المطلوب وإشراكهم في اتخاذ القرارات وعمليات التطوير والتحسين.
اقرأ ايضا:
اذا كنت المدير التنفيذي أحذر طرق الاحتيال على نتائج رضا العملاء